فصل: شهر جمادى الأول بيوم الثلاثاء سنة 1230

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 شهر جمادى الأول بيوم الثلاثاء سنة 1230

في سادسه يوم الأحد ضربت مدافع بعد الظهيرة لورود مكاتبة بأن الباشا استولى على ناحية وفي يوم الجمعة ثامن عشره وصل المحمل إلى بركة الحج وصحبته من بقي من رجال الركب مثل خطيب الجبل والصيرفي والمحملجية ووردت مكاتبات بالقبض على طامي الذي جرى منه ما جرى في وقائع قنفدة السابقة وقتله العساكر فلم يزل راجح الذي اصطلح مع الباشا ينصب له الحبائل حتى صاده وذلك أنه عمل لابن أخيه مبلغًا من المال إن هو أوقعه في شركه فعمل له وليمة ودعاه إلى محله فأتاه آمنًا فقبض عليه واغتاله طمعًا في المال وأتوا به إلى عرضي الباشا فوجهه إلى بندر جدة في الحال وأنزلوه السفينة وحضروا به إلى السويس وعجلوا بحضوره فلما وصل إلى البركة والمحمل إذ ذاك بها خرجت جميع العساكر في ليلة الاثنين حادي عشرينه وانجروا في صبحها طوائف وخلفهم المحمل مبعد مرورهم دخلوا بطامي المذكور وهو راكب على هجين وفي رقبته الحديد والجنزير مربوط في عنق الهجين وصورته رجل شهم عظيم اللحية وهو لابس عباءة عبدانية ويقرأ وهو راكب وعملوا في ذلك اليوم شنكًا ومدافع وحضر أيضًا عابدين بك وتوجه إلى داره في ليلة الاثنين‏.‏

واستهل شهر جمادى الثانية بيوم الخميس سنة 1230 في خامسه وصلت عساكر في داوات إلى السويس وحضروا إلى مصر وعلى رؤوسهم شلنجات فضة إعلامًا وإشارة بأنهم مجاهدون وعائدون من غزو الكفار وأنهم افتتحوا بلاد الحرمين وطردوا المخالفين لديانتهم حتى أن طوسون باشا وحسن باشا كتبا في إمضائهما على المراسلات بعد اسمهما لفظة المغازي والله أعلم بخلقه‏.‏

وفي تاسعه أخرجوا عساكر كثيرة وجوههم إلى الثغور ومحافظة الأساكل خوفًا من طارق يطرق الثغور لأنه أشيع أن بونابارته كبير الفرنساوية خرج من الجزيرة التي كان بها ورجع إلى فرنسا وملكها وأغار على بلاد الجورنة وخرج بعمارة كبيرة لا يعلم قصده إلى أي جهة يريد فربما طرق ثغر الإسكندرية أو دمياط على حين غفلة وقيل غير ذلك وسئل كتخدا بك عن سبب خروجهم فقال خوفًا عليهم من الطاعون ولئلا يوخموا المدينة لأنه وقع في هذه السنة موثان بالطاعون وهلك الكثير من العسكر وأهل البلدة والأطفال والجواري والعبيد خصوصًا السودان فإنه لم يبق منهم إلا القليل النادر وخلت منهم الدور‏.‏

وفي منتصفه أخرج كتخدا بك صدقة تفرق على الأولاد الأيتام الذين يقرؤون بالكتاتيب ويدعون برفع الطاعون فكانوا يجمعونهم ويأتي بهم فقهاؤهم إلى بيت حسن كتخدا الكتخدا عند مصلى ويدفعون لكل صغير ورقة بها ستون نصفًا فضة يأخذ منها جزأ الذي يجمع الطائفة منهم ويدعى أنه معلمهم زيادة عن حصته لأن معلم المكاتب مغلوقة وليس بها أحد بسبب تعطيل الأوقاف وقطع إيرادهم وصار لهذه الأطفال جلبة وغوغاء في ذهابهم ورجوعهم في الأسواق وعلى بيت الذي يقسم عليهم‏.‏

واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة 1230 في سادسه يوم الأربعاء وصلت هجانة من ناحية قبلي وأخبروا بوصول الباشا إلى القصير فخلع عليهم كتخدا بك كساوى ولم يأمر بعمل شنك ولا مدافع حتى يتحقق صحة الخبر‏.‏

وفي ليلة الجمعة ثامنه احترق بيت طاهر باشا بالأزبكية والبيت الذي بجواره أيضًا‏.‏

وفي يوم الجمعة المذكور قبل العصر ضربت مدافع كثيرة من القلعة والجيزة وذلك عندما ثبت وتحقق ورود الباشا إلى قنا وقوص ووصل أيضًا حريم الباشا وطلعوا إلى قصر شبرا وركب للسلام عليها جميع نساء الأكابر والأعيان بهداياهم وتقادمهم ومنعوا المارين من المسافرين والفلاحين الواصلين من الأرياف المرور من تحت القصر الذي هو الطريق المعتادة للمسافرين فكانوا يذهبون ويمرون من طريق استحدثوها منعطفة خلف تلك الطريق ومستبعدة بمسافة طويلة‏.‏

وفي ليلة الخميس رابع عشره انخسف جرم القمر جميعه بعد الساعة الثالثة وكان في آخر برج وفي ليلة الجمعة خامس عشره وصل الباشا إلى الجيزة ليلًا فأقام بها إلى آخر الليل ثم حضر إلى داره بالأزبكية فأقام بها يومين وحضر كتخدا بك وأكابر دولته للسلام عليه فلم يأذن لأحد وكذلك مشايخ الوقت ذهبوا ورجعوا ولم يجتمع به أحد سوى ثاني يوم وترادفت عليه التقادم والهدايا من كل نوع من أكابر الدولة والنصارى بأجناسهم خصوصًا الأرمن وخلافهم بكل صنف من التحف حتى السراري البيض بالحلي والجواهر وغير ذلك وأشيع في الناس في مصر وفي القرى بأنه تاب عن الظلم وعزم على إقامة العدل وأنه نذر على نفسه أنه إذا رجع منصورًا واستولى على أرض الحجاز أفرج للناس عن حصصهم ورد الأرزاق الأحباشية إلى أهلها وزادوا على هذه الإشاعة أنه فعل ذلك في جميع النواحي وباتوا يتخيلونه في أحلامهم ولما مضى من وقت حضوره ثلاثة أيام كتبوا أوراقًا لمشاهير الملتزمين مضمونها أنه بلغ حضرة أفندينا ما فعله الأقباط من ظلم الملتزمين والجور عليهم في فائظهم فلم يرض بذلك والحال أنكم تحضرون بعد أربعة أيام وتحاسبون على فائظكم وتقبضونه فغن أفندينا لا يرضى بالظلم وعلى الأوراق إمضاء الدفتردار ففرح أكثر المغفلين بهذا الكلام واعتقدوا صحته وأشاعوا أيضًا أنه نصب تجاه قصر شبرا خوازيق للمعلم غالي وأكابر القبط‏.‏

وفي رابع عشرينه حضر الكثير من أصحاب الأرزاق الكائنين بالقرى والبلاد مشايخ وأشرافًا وفلاحين ومعهم بيارق وأعلام مستبشرين وفرحين بما سمعوه وأشاعوه وذهبوا إلى الباشا وهو يعمل رماحة بناحية القبة برمي بنادق كثيرة وميدان تعليم فلما رآهم وأخبروه عن سبب مجيئهم فأمر بضربهم وطردهم ففعلوا بهم ذلك ورجعوا خائبين‏.‏

وفيه حضر محمود بك والمعلم غالي من سرحتهما وقابلا الباشا وخلع عليهما وكساهما وألبسهما فراوي سمور فركب المعلم غالي وعليه الخلعة وشق من وسط المدينة وخلفه عدة كثيرة من الأقباط ليراه الناس ويكمد الأعداء ويبطل ما قيل من التقولات ثم أقام هو ومحمود بك أيامًا قليلة ورجعا لأشغالهما وتتميم أفعالهما من تحرير القياس وجبي الأموال وكانا أرسلا قبل حضورهما عدة كثيرة من الجمال الحاملة للأموال في كل يوم قطارات بعضها أثر بعض من الشرقية والغربية والمنوفية وباقي الأقاليم‏.‏

وفيه حضر شيخ طرهونة بجهة قبلي ويسمى كريم بضم الكاف وفتح الراء وتشديد الياء وسكون الميم وكان عاصيًا على الباشا ولم يقابله أبدًا فلم يزل يحتال عليه إبراهيم باشا ويصالحه ويمنيه حتى أتى إليه وقابله وأمنه فلما حضر الباشا أبوه من الحجاز أتاه على أمان ابنه وقدم معه هدية وأربعين من الإبل فقبل هديته ثم أمر برمي عنقه بالرميلة‏.‏

والناس في أمر مريج من قطع أرزاقهم وأرباب الالتزامات والحصص التي ضبطها الباشا ورفع أيديهم عن التصرف في شيء منها خلاطين الأوسية فإنه سامحهم فيه سوى ما زاد عن الروك الذي قاسوه فإنه لديوانه ووعدهم بصرف المال الحر المعين بالسند الديواني فقط بعد التحرير والمحاققة ومناقضة الكتبة الأقباط في القوائم وأقاموا منتظرين إنجاز وعده أيامًا يغدون ويروحون ويسألون الكتبة ومن له صلة بهم وقد ضاق خناقهم من التفليس وقطع الإيراد ورضوا بالأقل وتشوقوا لحصوله وكل قليل يعدون بعد أربعة أيام أو ثلاثة أيام حتى تحرر الدفاتر فإذا تحررت قيل أن الباشا أمر بتغييرها وتحريرها على نسق آخر ويكرر ذلك ثانيًا وثالثًا على حسب تفاوت المتحصل في السنين وما يتوفر في الخزينة قليلًا أو كثيرًا‏.‏

وفيه وصل رجل تركي على طريق دمياط يزعم أنه عاش من العمر زمنًا طويلًا وأنه أدرك أوائل القرن العاشر ويذكر أنه حضر إلى مصر مع السلطان سليم وأدرك وقته وواقعته مع السلطان الغوري وكان في ذلك الوقت تابعًا لبعض البيرقدارية وشاع ذكره وحكي من رآه أن ذاته تخالف دعواه وامتحنه البعض في مذاكرة الأخبار والوقائع فحصل منه تخليط ثم أمر الباشا بنفيه وإبعاده فأنزلوه في مركب وغاب خبره فيقال أنهم أغرقوه والله أعلم‏.‏

وفي خامس عشرينه عملوا الديوان ببيت الدفتردار وفتحوا باب صرف الفائظ على أرباب حصص الالتزام فجعلوا يعطون منه جانبًا وأكثر ما يعطونه نصف القدر الذي قرروه وأقل وأزيد قليلًا‏.‏

وفيه أمر الباشا لجميع العساكر بالخروج إلى الميدان لعمل التعليم والرماحة خارج باب النصر حيث قبة العزب فخرجوا من ثلث الليل الأخير وأخذوا في الرماحة والبندقة المتواصلة المتتابعة مثل الرعود على طريقة الإفرنج وذلك قبيل الفجر إلى الضحوة ولما انقضى ذلك رجعوا داخلين إلى المدينة في كبكبة عظيمة حتى زحموا الطرق بخيولهم من كل ناحية وداسوا أشخاصًا من الناس بخيولهم بل وحميرًا أيضًا وأشيع أن الباشا قصده إحصاء العسكر وترتيبهم على النظام الجديد وأوضاع الإفرنج ويلبسهم الملابس المقمطة ويغير شكلهم وركب في ثاني يوم إلى بولاق وجمع عساكر ابنه إسمعيل باشا وصنفهم على الطريقة المعروفة بالنظام الجديد وعرفهم قصده فعل ذلك بجميع العساكر ومن أبى ذلك قابله بالضرب والطرد والنفي بعد سلبه حتى من ثيابه ثم ركب من بولاق وذهب إلى شبرا وحصل في العسكر قلقلة ولغط وتناجوا فيما بينهم وتفرق الكثير منهم عن مخاديمهم وأكابرهم ووافقهم على النفور بعض أعيانهم واتفقوا على غدر الباشا ثم أن الباشا ركب من قصر شبرا وحضر إلى بيت الأزبكية ليلة الجمعة ثامن عشرينه وقد اجتمع عند عابدين بك بداره جماعة من أكابرهم في وليمة وفيهم حجو بك وعبد الله آغا صاري جلة وحسن آغا الأزرنجلي فتفاوضوا بينهم أمر الباشا وما هو شارع فيه واتفقوا على الهجوم عليه في داره بالأزبكية في الفجرية ثم إن عابدين بك غافلهم وتركهم في إنسهم وخرج متنكرًا مسرعًا إلى الباشا وأخبره ورجع إلى أصحابه فأسرع الباشا في الحال الركوب في سادس ساعة من الليل وطلب عساكر طاهر باشا فركبوا معه وحوط المنزل بالعساكر ثم أخلف الطريق وذهب على ناحية الناصرية ومرمى النشاب وصعد إلى القلعة وتبعه من يثق به من العساكر وانخرم أمر المتوافقين ولم يسعهم الرجوع عن عزيمتهم فساروا إلى بيت الباشا يريدون نهبه فمانعهم المرابطون وتضاربوا بالرصاص والبنادق وقتل بينهم أشخاص ولم ينالوا غرضًا فساروا على ناحية القلعة واجتمعوا بالرميلة وقراميدان وتحيروا في امرهم واشتد غيظهم وعلموا أو وقوفهم بالرميلة لا يجدي شيئًا وقد أظهروا المخاصمة ولا ثمرة تعود عليهم في رجوعهم وسكونهم بل ينكسف بالهم وتنذل أنفسهم ويلحقهم اللوم من أقرانهم الذين لم ينضموا إليهم فأجمع رأيهم لسور طباعهم وخبث عقيدتهم وطرائقهم أنهم يتفرقون في شوارع المدينة وينهبون متاع الرعية وأموالهم فإذا فعلوا ذلك فيكثر جمعهم وتقوى شوكتهم ويشاركهم المخلفون عنهم لرغبة الجميع في القبائح الذميمة ويعودون بالغنيمة ويحوصلون من الحواصل ولا يضيع سعيهم في الباطل كما يقال في المثل ما قدر على ضرب الحمار فضرب البرذعة ونزلوا على وسط قصبة المدينة على الصليبة على السروجية وهم يكسرون ويهشمون أبواب الحوانيت المغلوقة وينهبون ما فيها لأن الناس لما تسامعوا بالحركة أغلقوا حوانيتهم وأبوابهم وتركوا أسبابهم طلبًا للسلامة وعندما شاهد باقيهم ذلك أسرعوا للحوق وبادروا معهم للنهب والخطف بل وشاركهم الكثير من الشطار والزعر والعامة المقلين والجياع ومن لا دين له وعند ذلك كثر جمعهم ومضوا على طريقهم إلى قصبة رضوان إلى داخل باب زويلة وكسروا حوانيت السكرية وأخذوا ما وجدوه من الدراهم وما أحبوه من أصناف السكر فجعلوا يأكلون ويحملون ويبددون الذي لم يأخذوه ويلقونه تحت الأرجل في الطريق وكسروا أواني الحلو وقدور المربيات وفيها ما هو من الصيني والبياغوري والإفرنجي ومجامع الأشربة وأقراص الحلو الملونة والرشال والملبس والفانيد والحماض والبنفسج وبعد أن يأكلوا ويحملوا هم وأتباعهم ومن انضاف لهم من الأوباش البلدية والحرافيش والجعيدية يلقون ما فضل عنهم على قارعة الطريق بحيث صار السوق من حد باب زويلة إلى المناخلية مع اتساعه وطوله مرسومًا ومنقوشًا بألوان السكاكر وأقراص الأشربة الملونة وأعسال المربيات سائلة على الأرفن وكان أهل ذلك السوق المتسببون جددوا وطبخوا أنواع المربيات والأشربة عند وفور الفواكه وكثرتها في أوانها وهو هذا الشهر المبارك مثل الخوخ والتفاح والبرقوق والتوت والقرع المسير والحصرم والسفرجل وملئوا الأوعية وصففوها على حوانيتهم للمبيع وخصوصًا على موسم شهر رمضان ومضوا في سيرهم إلى العقادين الرومي والغورية والأشرفية وسوق الصاغة ووصلت طائفة إلى سوق مرجوس فكسروا أبواب الحوانيت والوكائل والخانات ونهبوا ما في حواصل التجار من الأقمشة المحلاوي والبز والحرير والزردخان ولما وصلت طائفة إلى رأس خان الخليلي وأرادوا العبور والنهب فزعت فيهم الأتراك والأرنؤد الذين يتعاطون التجارة الساكنون بخان اللبن والنحس وغيرهما وضربوا عليهم الرصاص وكذلك من سوق الصرماتية والأتراك الخردجية الساكنون بالرباع بباب الزهومة جعلوا يرمون عليهم من الطيقان بالرصاص حتى ردوهم ومنعوهم وكذلك تعصبت طائفة المغاربة الكائنون بالفحامين وحارة الكعكيين رموا عليهم بالرصاص وطردوهم عن تلك الناحية وأغلقوا البوابات التي على رؤوس العطف وجلس عند كل درب أناس ومن فوقهم أناس من أهل الخطة بالرصاص تمنع الواصل إليهم ووصلت طائفة إلى خان الحمزاوي فعالجوا في بابه حتى كسروا الخوخة التي في الباب وعبروا الخان وكسروا حواصل التجار من نصارى الشوام وغيرهم ونهبوا ما وجدوه من النقود وأنواع الأقمشة الهندية والشامية والمقصبات وبالات الجوخ والقطيفة والأسطوفة وأنواع الشيت والحرير الخام والإبريسم وغير ذلك وتبعهم الخدم والعامة في نهب وأخرجوا في الدكاكين والحواصل من أنواع الأقمشة وأخذوا ما أعجبهم واختاروه وانتقوه وتركوا ما تركوه ولم يقدروا على حمله مطروحًا على الأرض ودهليز الخان وخارج السوق يطئون عليه بالأرجل والنعالات ويعدو القوي على الضعيف فيأخذ ما معه من الأشياء الثمينة وقتل بعضهم البعض وكسروا أبواب الدكاكين التي خارج الخان بالخطة وأخرجوا ما فيها من الأواني والتحف الصيني والزجاج المذهب والكاسات البلور والصحون والأطباق والفناجين البيشة وأنواع الخردة وأخذوا ما أعجبهم وما وجدوه من نقود ودراهم وهمشوا البواقي وكسروه وألقوه على الأرض يحي الأرجل شقاقًا وما به من حوانيت العطارين وطرحوا أنواع الأشياء العطرية بوسط الشارع تداس بالأرجل أيضًا وفعلوا ما لا خير فيه من نهب أموال الناس والإتلاف ولولا الذين تصدوا لدفعهم ومنعهم بالبنادق والكرانك وغلق البوابات لكان الوقع أفظع من ذلك ولنهبوا أيضًا البيوت وفجروا بالنساء والعياذ بالله ولكن الله سلم وشاركهم في فعلهم الكثير من الأوباش والمغاربة المدافعين أيضًا فإنهم أخذوا أشياء كثيرة وكانوا يقبضون على من يمر بهم ممن يقدرون عليه من النهابين ويأخذون ما معهم لأنفسهم وإذا هشمت العساكر حانوتًا وخطفوا منها شيئًا ولحقهم من يطردهم عنها استأصل اللاحقون ما فيها واستباح الناس أموال بعضهم البعض وكان هذا الحادث الذي لم نسمع بنظيره في دولة من الدول في ظرف خمس ساعات وذلك من قبيل صلاة الجمعة إلى قبيل العصر حصل للناس في هذه المدة اليسيرة من الانزعاج والخوف الشديد ونهب الأموال وإتلاف الأسباب والبضائع ما لا يوصف ولم تصل الجمعة في ذلك اليوم وأغلقت المساجد الكائنة بداخل المدينة وأخذ الناس حذرهم ولبسوا أسلحتهم وأغلقوا البوابات وقعدوا على الكرانك والمرابط والمتاريس وسهروا الليالي وأقاموا على التحذر والتحفظ والتخوف أيامًا وليالي‏.‏

وفي يوم السبت تاسع عشرينه الموافق لآخر يوم من شهر أبيب القبطي أوفى النيل المبارك أذرعه وكان ذلك اليوم أيضًا ليلة رؤية هلال رمضان فصادف حصول الموسمين في آن واحد فلم يعمل فيها موسم ولا شنك على العادة ولم يركب المحتسب ولا أرباب الحرف بموكبهم وطبولهم وزمورهم وكذلك شنك قطع الخليج وما كان يعمل في ليلته من المهرجان في النيل وسواحله وعند السد وكذلك في صبحه وفي البيوت المطلة على الخليج فبطل ذلك جليعه ولم يشعر بهما أحد وصام الناس باجتهادهم وكان وفاء النيل في هذه السنة من النوادر فإن النيل لم تحصل فيه الزيادة بطول الأيام التي مضت من شهر أبيب إلا شيئًا يسيرًا حتى حصل في الناس وهم زائد وغلا سعر الغلة ورفعوها من السواحل والعرصات فأفاض المولى في النيل واندفعت فيه الزيادة العظيمة وفي ليلتين أوفى أذرعه قبل مظنته فإن الوفاء لا يقع في الغالب إلا في شهر مسرى ولم يحصل في أواخر أبيب إلا في النادر وإني لم أدركه في سنين عمري أو في أبيب إلا مرة واحدة وذلك في سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف فتكون المدة بين تلك وهذه المدة سبعًا وأربعين وفيه أرسل الباشا بطلب السيد محمد المحروقي فطلع إليه وصحبته عدة كبيرة من عسكر المغاربة لخفارته فلما واجهه قال له هذا الذي حصل للناس من نهب أموالهم في صحائفي والقصد أنكم تتقدمون لأرباب المنهوبات وتجمعونهم بديوان خاص طائفة بعد أخرى وتكتبون قوائم لكل طائفة بما ضاع لها على وجه التحرير والصحة وأنا أقوم لهم بدفعه بالغًا ما بلغ فشكر له ودعا له ونزل إلى داره وعرف الناس بذلك وشاع بينهم فحصل لأربابه بعض الاطمئنان وطلع إلى الباشا كبار العسكر مثل عابدين بك ودبوس أوغلي وحجو بك ومحو بك واعتذروا وتنصلوا وذكروا وأقروا أن هذا الواقع اشتركت فيه طوائف العسكر وفيهم من طوائفهم وعساكرهم ولا يخفاه خبث طباعهم فتقدم إليهم بأن يتفقدوا بالفحص وإحصاء ما حازه وأخذه كل من طوائفهم وعساكرهم وشدد عليهم في الأمر بذلك فأجابوه بالسمع والطاعة وامتثلوا لأمره وأخذوا في جمع ما يمكنهم وإرساله إلى القلعة وركبوا وشقوا بشوارع المدينة وأمامهم المناداة بالأمان وأحضر الباشا المعمار وأمره بجمع النجارين والمعمرين وإشغالهم في تعمير ما تكسر من أخشاب الدكاكين والأسواق ويدفع لهم أجرتهم وكذلك الأخشاب على طرف الميري‏.‏

واستهل شهر رمضان بيوم الاثنين سنة 1230 والناس في أمر مريج وتخوف شديد وملازمون للسهر على الكرنك ويتحاشون المشي والذهاب والمجيء وكل أهل خطة ملازم لخطته وحارته كل وقت يذكرون وينقلون بينهم روايات وحكايات ووقائع مزعجات وتطاولت أيدي العساكر بالتعدي والأذية والفتك والقتل لمن ينفردون به من الرعية‏.‏

وفي ثاني ليلة طلع السيد محمد المحروقي وطلع صحبته الشيخ محمد الدواخلي نقيب الأشراف وابن الشيخ العروسي وابن الصاوي المتعينون في مشيخة الوقت وصحبتهم شيخ الغورية وطائفته وقد ابتدؤا بهم في إملاء ما نهب لهم من حوانيتهم بعدما حرروها عند السيد محمد المحروقي وتحليفهم بعد الإملاء على صدق دعواهم وبعد التحليف والمحاققة يتجاوزعن بعضه لحضرة الباشا ثم يثبتون له الباقي فاستقر لأهل الغورية خاصة مائة وثمانون كيسًا فدفع لهم ثلثيها وأخر لهم الثلث وهو ستون كيسًا يستوفونها فيما بعد أما عن عروضهم إن ظهر لهم شيء منها أو من الخزينة ولازم الجماعة الطلوع والنزول في كل ليلة لتحرير بواقي المنهوبات وأيضًا استقر لأهل خان الحمزاوي نحو ثلاثة آلاف كيس كذلك ولطائفة السكرية نحو من سبعين كيسًا خصمت لهم من ثمن السكر الذي يبتاعونه من الباشا واستمر الباشا بالقلعة يدير أموره ويجب قلوب الناس من الرعية وأكابر دولته بما يفعله من بذل المال ورد المنهوبات حتى ترك الناس يسخطون على العسكر ويترضون عنه ولو لم يفعل ذلك وسارت العساكر هذه الثورة ولم يقع منهم نهب ولا تعد لساعدتهم الرعية واجتمعت عليهم أهالي القرى وأرباب الإقطاعات لشدة نكايتهم من الباشا بضبط الرزق والالتزامات وقياس الأراضي وقطع المعايش وذلك من سوء تدبير العسكر وسعادة الباشا وحسن سياسته باستجلابه الخواطر وتملقه بالكلام اللين والتصنع ويلوم على فعل العسكر ويقول بمسمع الحاضرين ما ذنب الناس معهم خصوصًا خصامهم معي أو مع الرعية ها أنا لي منزل بالأزبكية فيه أموال وجواهر وأمتعة وأشياء كثيرة وسراية ابني إسمعيل باشا ببولاق ومنزل الدفتردار ونحو ذلك ويتحسبل ويتحوقل ويعمل فكرته ويدبر أمره في أمر العسكر وعظمائهم وينقم عليهم ويعطيهم الأموال الكثيرة والأكياس العديدة لأنفسهم وعساكرهم وتنتبذ طائفة منهم ويقولون نحن لن ننهب ولم يحصل لنا كسب فيعطيهم ويفرق فيهم المقادير العظيمة فأنعم على عابدين بك بألف كيس ولغيره دون ذلك‏.‏

وفي أثناء ذلك أخرج جردة من عسكر الدلاة ليسافروا إلى الديار الحجازية فبرزوا إلى خارج باب الفتوح حيث المكان المسمى بالشيخ قمر ونصبوا هناك وطاقهم وخرجت أحمالهم وأثقالهم‏.‏

وفي ليلة الخميس ثارت طائفة الطبجية وخاضوا وضجوا وهم نحو الأربعمائة وطلبوا نفقة فأمر لهم بخمسة وعشرين كيسًا ففرقت فيهم الأربعمائة وطلبوا نفقة فأمر لهم بخمسة وعشرين كيسًا ففرقت فيهم فسكتوا وفي يوم الخميس المذكور نزل كتخدا بك وشق من وسط المدينة ونزل عند جامع الغورية وجلس فيه ورسم لأهل السوق بفتح حوانيتهم وأن يجلسوا فيها فامتثلوا وفتحوا الحوانيت وجلسوا على تخوف كل ذلك مع عدم الراحة والهدوء وتوقع المكروه والتطير من العسكر وتعدى السفهاء منهم في بعض الأحايين والتحزر والاحتراس وأما النصارى فإنهم حصنوا مساكنهم ونواحيهم وحاراتهم وسدوا المنافذ وبنو كرانك واستعدوا بالأسلحة والبنادق وأمدهم الباشا بالبارود ولآلات الحرب دون المسلمين حتى أنهم استأذنوا كتخدا بك في سد بعض الحارات النافذة التي يخشون وقوع الضرر منها فمنع من ذلك وأما النصارى فلم يمنعهم وقد تقدم ذكر فعله مع رضوان كاشف عندما سد باب داره وفتحه من جهة أخرى وعززه وضربه وبهدله بوسط الديوان‏.‏

وفيه وصل نجيب أفندي وهو قبي كتخدا الباشا عند الدولة إلى بولاق فركب إليه كتخدا بك وأكابر الدولة والآغا والوالي وقابلوه ونظموا له موكبًا من بولاق إلى القلعة ودخل من باب النصر وحضر صحبته خلع برسم الباشا وولده طوسون باشا وسفيان وشلنجان وهدايا وأحقاق تشوق مجوهرة وعملوا لوصوله شنكًا ومدافع من القلعة وبولاق‏.‏

وفيه ارتحل الدلاة المسافرون إلى الحجاز ودخل حجو بك إلى المدينة بطائفته‏.‏

وفي ضحوة ذلك اليوم بعد انفضاض أمر الموكب حصل في الناس زعجة وكرشات وأغلقوا البوابات والدروب واتصل هذا الإزعاج بجميع النواحي حتى بولاق ومصر القديمة ولم يظهر لذلك أصل ولا سبب من الأسباب مطلقًا‏.‏

وفي تلك الليلة ألبس الباشا حجو خلعة وتوجه بطرطور طويل وجعله أميرًا على طائفة من الدلاة وانخلع هو وأتباعه من طريقتهم التركية التي كانوا عليها وهؤلاء الطائفة التي يقال لهم دلاة ينسبون أنفسهم إلى طريقة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأكثرهم من نواحي الشام وجبال الدروز والمتاولة وتلك النواحي يركبون الأكاديش وعلى رؤوسهم الطراطير السود مصنوعة من جلود الغنم الصغار طول الطرطور نحو ذراع وإذا دخل لكنيف نزعه من على رأسه ووضعه على عتبة الكنيف وما أدرى ذلك تعظيم له عن مصاحبته معه في الكنيف أو الخوف والحذر من سقوطه إن انصدم باسفكة الباب في صحن المرحاض أو الملاقي وهؤلاء الطائفة مشهورة في دولة العثمانيين بالشجاعة والإقدام في الحروب ويوجد فيهم من هو على طريقة حميدة ومنهم دون ذلك وقليل ما هم ولكونهم من تمام النظام رتبهم الباشا من أجناسه وأتراكه خلاف الأجناس الغريبة ومن بقي من أولئك يكون تبعًا لا متبوعًا‏.‏

وفي يوم الثلاثاء سادس عشره حصل مثل ذلك المتقدم من الانزعاج والكرشات بل أكثر من المرة الأولى ورمحت الرامحان وأغلقت الحوانيت وطلبت الناس السقائين الذين ينقلون الماء من الخليج وبيعت القربة بعشرة أنصاف فضة والراوية بأربعين فنزل الآغا وأغات التبديل وأمامهم المناداة بالأمان وينادون على العساكر أيضًا ومنهم من حمل البنادق ويأمرون الناس بالتحفظ واستمر هذا الأمر والارتجاج إلى قبيل العصر وسكن الحال وكثر مرور السقائين وبيعت القربة بخمسة أنصاف والراوية بخمسة عشر ولم يظهر لهذه الحركة سبب أيضًا وتقول الناس بطول نهار ذلك اليوم أصنافًا وأنواعًا من الروايات والأقاويل التي لا أصل لها‏.‏

وفي يوم الأربعاء سابع عشره حضر الشريف راجح من الحجاز ودخل المدينة وهو راكب على هجين وصحبته خمسة أنفار على هجن أيضًا معهم أشخاص من الأرنؤد من أتباع حسن باشا الذي بالحجاز فطلعوا به إلى القلعة ثم أنزلوه إلى منزل أحمد أغا أخي كتخدا بك‏.‏

وفي ليلة الخميس قلد الباشا عبد الله أغا المعروف بصاري جله وجعله كبيرًا على طائفة من الينكجرية أيضًا وجعل على رأسه الطربوش الطويل المرخي على ظهره كما هي عادتهم هو وأتباعه وكان من جملة المتهومين بالمخامرة على الباشا‏.‏

وفيه برز أمر الباشا لكبار العسكر بركوب جميع عساكرهم الخيول ومنعهم من حمل البنادق ولا يكون منهم راجل أو حامل للبندقية إلا من كان من أتباع الشرطة والأحكام مثل الوالي والآغا وأغات التبديل ولازم كتخدا بك وأيوب آغا تابع إبراهيم آغا أغات التبديل والوالي المرور بالشوارع والجلوس في مراكز الأسواق مثل الغورية والجمالية وباب الحمزاوي وباب زويلة وباب الخرق وأكثر أتباعهم مغطرون في نهار رمضان ومتجاهرون بذلك من غير احتشام ولا مبالاة بانتهاك حرمة شهر الصوم ويجلسون على الحوانيت والمساطب يأكلون ويشربون الدخان ويأتي أحدهم وبيده شبك الدخان فيدني مجمرته لأنف ابن البلد على غفلة منه وينفخ فيه على سبيل السخرية والهذيان بالصمائم وزادوا في الغي والتعدي وخطف النساء نهارًا وجهارًا حتى اتفق أوفي أن شخصًا منهم أدخل امرأة إلى جامع الأشرفية وزنى بها في المسجد بعد صلاة الظهر في نهار رمضان‏.‏

وفي أواخره عملوا حساب أهل سوق مرجوش فبلغ ذلك أربعمائة وخمسين كيسًا قبضوا ثلثيها وتأخر لهم الثلث كل ذلك خلاف النقود لهم ولغيرهم مثل تجار الحمزاوي وهو شيء كثير ومبالغ عظيمة فإن الباشا منع من ذكرها وقال لأي شيء يؤخرون في حوانيتهم وحواصلهم النقود ولا يتجرون فيها واتفق لتاجر من أهل سوق الجيوش أنه ذهب من حاصله من حواصل الخان ثمانية آلاف فرانسة فلم يذكرها ومات قهر وكذلك ضاع لأهالي خان الحمزاوي من صرر الأموال والنقود والودائع والرهونات والمصاغ والجوهر مما يرهنه النساء على ثمن ما يشترونه من التجار والتفاصيل والمقصبات أو على ما يتأخر عليهم من الأثمان ما لا يدخل تحت المحصر ويستحيا من ذكره وضاع لرجل يبيع الفسيخ والبطارخ تجاه الحمزاوي من حانوته أربعة آلاف فلم يذكرها وأمثال ذلك كثير وانقضى شهر رمضان والناس في أمر مريج وخوف وانزعاج وتوقع المكروه ولم ينزل الباشا من القلعة بطول الشهر وذلك على خلاف عادته فإنه لا يقدر على الاستقرار بمكان أيامًا وطبيعته الحركة حتى في الكلام وكبار العساكر والسيد محمد المحروقي ومن يصحبه من المشايخ ونقيب الأشراف مستمرون على الطلوع والنزول في كل يوم وليلة وللمتقيدين بالمنهوبين ديوان خاص وفرق الباشا كساوي العيد على أربابها ولم يظهر في هذه القضية شخص معين والكثير من العساكر الذين يمشون مع الناس في الأسواق يظهرون الخلاف والسخط ويظهر منهم التعدي ويخطفون عمائم الناس والنساء جهارًا ويتوعدون الناس بعودهم في النهب وكأنما بينهم وبين أهل البلدة عداوة قديمة أو ثارات يخلصونها منهم وفيهم من يظهر التأسف والتندم واللوم على المعتدين ويسفه رأيهم وهو المحروم الذي غاب على ذلك وبالجملة فكل ذلك تقادير إلهية وقضايا سماوية ونقمة حلت بأهل الإقليم وأهله من كل ناحية نسأل الله العفو والسلامة وحسن العاقبة ومما اتفق أن بعض الناس زاد بهم الوهم فنقل ماله من حانوته إلى منزله أو حرز آخر فسرقها السراق وحانوته أو حاصله لم يصبه ما أصاب غيره وتعدد نظير ذلك لأشخاص كثيرة وذلك من فعل أهل البلدة يراقبون بعضهم بعضًا ويداورونهم في أوقات الغفلات في مثل هذه الحركات ومنهم من اتهم خدمه وأتباعه وتهددهم وشكاهم إلى حكام الشرطة ويغرم مالًا على ذلك أيضًا وهم بريؤن ولا يفيده إلا ارتكاب الإثم والفضيحة وعداوة الأهل والخدم وزيادة الغرم وغالب ما بأيدي التجار أموال الشركاء والودائع والرهونات ويطلبه أربابها ومنهم قليل الديانة وذهب من حانوته أشياء وبقي أشياء فادعى ضياع الكل لقوة الشبهة‏.‏ واستهل